فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}
تشاكل المخلِصُ والمنافِقُ في الصورة فلم يَتَمَيَّزا بالمباني، وإن تنافَيا في الحقائق والمعاني وتقاصر عِلْمُهم عن العرفان فَهَتَك الله لنبيِّه أستارَهم.. فَعَرَفَهم، وهم بإشرافه عليهم جاهلون، وعلى الإقامة في أوطان نفاقهم مصروفون، فلم ينفعهم طولُ إمهاله لهم.
{سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ}: الأولى في الدنيا بالفضيحة فيما ينالهم من المحن والفتن والأمراض، ولا يحصل لهم عليها في الآخرة عِوَضٌ ولا أَجْرٌ ولا مَسَرَّةٌ، والثانية عذابُ القبر.
وقيل المرة الأولى بِقَبْضِ أرواحهم، والثانية عذاب القبر ثم يوم القيامة يُمْتحنون بالعذاب الأكبر.
ويقال المرة الأولى ظنُّهم أنهم على شيء، والمرة الثانية بخيبة آمالهم وظهور ما لم يحتسبوه لهم. اهـ.

.قال القاسمي:

قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} عطف على: {مِمَّنْ حَوْلَكُمْ} عطف مفرد على مفرد.
وقوله تعالى: {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} إما جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، مسوقة لبيان علوّهم في النفاق إثر بيان اتصافهم به، وإما صفة للمبتدأ المذكور فصل بينها وبينه به عطف على خبره، وإما صفة لمحذوف أقيمت هي مقامه، وهو مبتدأ خبره.
{مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} والجملة عطف على الجملة السابقة، أي: ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق- أفاده أبو السعود-. اهـ.

.تفسير الآية رقم (102):

قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر هذا القسم المارد الجافي، ثنى بمقابلة اللين الصافي، وهي الفرقة التي نجز المتاب عليها والنظر بعين الرحمة إليها فقال: {وآخرون} أي ممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة آخرون {اعترفوا بذنوبهم} أي كلفوا أنفسهم ذكرها توبة منهم ندمًا وإقلاعًا وعزمًا ولم يفزعوا إلى المعاذير الكاذبة وهو المقتصدون.
ولما كان الخلط جمعًا في امتزاج، كان بمجرد ذكره يفهم أن المخلوط امتزج بغيره، فالإتيان بالواو في {آخر} يفهم أن المعنى: {خلطوا عملًا صالحًا} بسيئ {وآخر سيئًا} بصالح، فهو من ألطف شاهد لنوع الاحتباك، ولعل التعبير بما أفهم ذلك إشارة إلى تساوي العملين وأنه ليس أحدهما بأولى أحدهما بأولى من الآخر أن يكون أصلًا، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في أناس رآهم في المنام شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح كما رواه البخاري في التفسير عن سمرة- رضى الله عنهم- ثم أوجب تحقيق توبتهم الملزومة للاعتراف بقبولها بقوله: {عسى الله} أي بما له من الإحاطة بأوصاف الكمال {أن يتوب عليهم} فإن {عسى} منه سبحانه وتعالى واجبه لأن هذا دأب الملوك ولعل التعبير بها يفيد- مع الإيذان بأنه لا يجب عليه لأحد شيء وأن كل إحسان يفعله فإنما هو على سبيل الفضل إشارة إلى أنهم صاروا كغيرهم من خلص المؤمنين غير المعصومين في مواقعة التقصير وتوقع الرحمة من الله بالرجوع بهم إلى المراقبة، فكما أن أولئك معدودون في حزب الله مع هذا التقصير المرجو له العفو فكذلك هؤلاء؛ ثم علل فعله بهم مرجيًا للمزيد بقولع: {إن الله} أي ذا الجلال والإكرام {غفور رحيم} أي لم يزل موصوفًا بقبول المعرض إذا أقبل وإبدال سئيه بحسن فضلًا منه وإكرامًا؛ روى البخاري في صحيحه في التفسير عن سمرة بن جندب- رضى الله عنهم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا: «أتاني اللية آتيان فابتعثاني فانتهيا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، قالا: أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا عفا الله عنهم». اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}
وفي الآية مسائل:

.المسألة الأولى: قوله: {وَءاخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ}:

فيه قولان: الأول: أنهم قوم من المنافقين.
تابوا عن النفاق.
والثاني: أنهم قوم من المسلمين تخلفوا عن غزوة تبوك، لا للكفر والنفاق، لكن للكسل، ثم ندموا على ما فعلوا ثم تابوا، واحتج القائلون بالقول الأول بأن قوله: {وَءاخَرُونَ} عطف على قوله: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مّنَ الأعراب منافقون} والعطف يوهم التشريك إلا أنه تعالى وفقهم حتى تابوا، فلما ذكر الفريق الأول بالمرود على النفاق والمبالغة فيه.
وصف هذه الفرقة بالتوبة والإقلاع عن النفاق.

.المسألة الثانية: [فيمن اعترفوا بذنوبهم]:

روي أنهم كانوا ثلاثة: أبو لبابة مروان بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حزام، وقيل: كانوا عشرة.
فسبعة منهم أوثقوا أنفسهم لما بلغهم ما نزل من المتخلفين فأيقنوا بالهلاك، وأوثقوا أنفسهم على سواري المسجد فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فصلى ركعتين وكانت هذه عادته، فلما قدم من سفره ورآهم موثقين، سأل عنهم فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله هو الذي يحلهم، فقال: وأنا أقسم أني لا أحلهم حتى أومر فيهم، فنزلت هذه الآية فأطلقهم وعذرهم، فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا وإنما تخلفنا عنك بسببها، فتصدق بها وطهرنا، فقال: «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا» فنزل قوله: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً} [التوبة: 103] الآية.

.المسألة الثالثة: [في بيان معنى الآية]:

قوله: {اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ} قال أهل اللغة: الاعتراف عبارة عن الإقرار بالشيء عن معرفة، ومعناه أنهم أقروا بذنبهم، وفيه دقيقة، كأنه قيل لم يعتذروا عن تخلفهم بالأعذار الباطلة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئسما فعلوا وأظهروا الندامة وذموا أنفسهم على ذلك التخلف.
فإن قيل: الاعتراف بالذنب هل يكون توبة أم لا؟
قلنا: مجرد الاعتراف بالذنب لا يكون توبة، فأما إذا اقترن به الندم على الماضي، والعزم على تركه في المستقبل، وكان هذا الندم والتوبة لأجل كونه منهيًا عنه من قبل الله تعالى، كان هذا المجموع توبة، إلا أنه دل الدليل على أن هؤلاء قد تابوا بدليل قوله تعالى: {عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} والمفسرون قالوا: إن عسى من الله يدل على الوجوب.
ثم قال تعالى: {خَلَطُواْ عَمَلًا صالحا وَءاخَرَ سَيّئًا} وفيه بحثان:
البحث الأول: في هذا العمل الصالح وجوه: الأول: العمل الصالح هو الاعتراف بالذنب والندامة عليه والتوبة منه، والسيء هو التخلف عن الغزو.
والثاني: العمل الصالح خروجهم مع الرسول إلى سائر الغزوات والسيء هو تخلفهم عن غزوة تبوك.
والثالث: أن هذه الآية نزلت في حق المسلمين كان العمل الصالح إقدامهم على أعمال البر التي صدرت عنهم.
البحث الثاني: لقائل أن يقول: قد جعل كل واحد من العمل الصالح والسيء مخلوطًا.
فما المخلوط به.
وجوابه أن الخلط عبارة عن الجمع المطلق، وأما قولك خلطته، فإنما يحسن في الموضع الذي يمتزج كل واحد منهما بالآخر، ويتغير كل واحد منهما بسبب تلك المخالطة عن صفته الأصلية كقولك خلطت الماء باللبن.
واللائق بهذا الموضع هو الجمع المطلق، لأن العمل الصالح والعمل السيء إذا حصلا بقي كل واحد منهما كما كان على مذهبنا، فإن عندنا القول بالإحباط باطل، والطاعة تبقى موجبة للمدح والثواب، والمعصية تبقى موجبة للذم والعقاب، فقوله تعالى: {خَلَطُواْ عَمَلًا صالحا وَءاخَرَ سَيّئًا} فيه تنبيه على نفي القول بالمحابطة، وأنه بقي كل واحد منهما كما كان من غير أن يتأثر أحدهما بالآخر، ومما يعين هذه الآية على نفي القول بالمحابطة أنه تعالى وصف العمل الصالح والعمل السيء بالمخالطة.
والمختلطان لابد وأن يكونا باقيين حال اختلاطهما، لأن الاختلاط صفة للمختلطين، وحصول الصفة حال عدم الموصوف محال، فدل على بقاء العملين حال الاختلاط.
ثم قال تعالى: {عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} وفيه مباحث:
البحث الأول: هاهنا سؤال، وهو أن كلمة {عَسَى} شك وهو في حق الله تعالى محال، وجوابه من وجوه:
الوجه الأول: قال المفسرون: كلمة عسى من الله واجب، والدليل عليه قوله تعالى: {فَعَسَى الله أَن يَأْتِىَ بالفتح} [المائدة: 52] وفعل ذلك، وتحقيق القول فيه أن القرآن نزل على عرف الناس في الكلام، والسلطان العظيم إذا التمس المحتاج منه شيئًا فإنه لا يجيب إليه إلا على سبيل الترجي مع كلمة عسى، أو لعل، تنبيهًا على أنه ليس لأحد أن يلزمني شيئًا وأن يكلفني بشيء بل كل ما أفعله فإنما أفعله على سبيل التفضل والتطول، فذكر كلمة {عَسَى} الفائدة فيه هذا المعنى، مع أنه يفيد القطع بالإجابة.
الوجه الثاني: في الجواب، المقصود منه بيان أنه يجب أن يكون المكلف على الطمع والإشفاق لأنه أبعد من الإنكار والإهمال.
البحث الثاني: قال أصحابنا قوله: {عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} صريح في أن التوبة لا تحصل إلا من خلق الله تعالى، والعقل أيضًا دليل عليه، لأن الأصل في التوبة الندم، والندم لا يحصل باختيار العبد لأن إرادة الفعل والترك إن كانت فعلًا للعبد افتقر في فعلها إلى إرادة أخرى، وأيضًا فإن الإنسان قد يكون عظيم الرغبة في فعل معين، ثم يصير عظيم الندامة عليه، وحال كونه راغبًا فيه لا يمكنه دفع تلك الرغبة عن القلب، وحال صيرورته نادمًا عليه لا يمكنه دفع تلك الندامة عن القلب، فدل هذا على أنه لا قدرة للعبد على تحصل الندامة، وعلى تحصيل الرغبة، قالت المعتزلة: المراد من قوله: يتوب الله أنه يقبل توبته.
والجواب: أن الصرف عن الظاهر إنما يحسن، إذا ثبت بالدليل أنه لا يمكن إجراء اللفظ على ظاهره، أما ههنا، فالدليل العقلي أنه لا يمكن إجراء اللفظ إلا على ظاهره، فكيف يحسن التأويل.
البحث الثالث: قوله: {عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} يقتضي أن هذه التوبة إنما تحصل في المستقبل.
وقوله: {وَءاخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ} دل على أن ذلك الاعتراف حصل في الماضي، وذلك يدل على أن ذلك الاعتراف ما كان نفس التوبة، بل كان مقدمة للتوبة، وأن التوبة إنما تحصل بعدها. اهـ.